فاسيلي نيبينزيا.. الصوت الروسي الحازم في مجلس الأمن - شبكة أقطار الإخبارية

تحديثات

Thursday, July 17, 2025

فاسيلي نيبينزيا.. الصوت الروسي الحازم في مجلس الأمن

 

فاسيلي ألكسييفيتش نيبينزيا هو دبلوماسي روسي ووجه بارز من وجوه السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية في المحافل الدولية، ولد في عام 1962 في مدينة ستافروبول الواقعة في جنوب روسيا، وهي المدينة التي تخرج منها كثير من الكوادر السياسية والإدارية في تاريخ الدولة السوفيتية والروسية الحديثة. نشأ في بيئة عادية، لكن ميوله السياسية والدبلوماسية بدأت تظهر في وقت مبكر من حياته، فتوجه نحو دراسة العلاقات الدولية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ذلك المعهد العريق الذي يعد مصنعاً للدبلوماسيين الروس ومركزاً لتشكيل العقول السياسية الأكثر تأثيراً في موسكو، تخرج منه نيبينزيا في ثمانينيات القرن الماضي، في حقبة ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث كانت روسيا آنذاك لا تزال جزءاً من منظومة عالمية ذات ثقل سياسي خاص.

 

بدأ نيبينزيا حياته المهنية في وزارة الخارجية السوفيتية، فتنقل في السلك الدبلوماسي بين عدة مواقع ومهمات دولية، وراكم خبرة واسعة في التعامل مع القضايا الدولية الحساسة، خاصة تلك المتعلقة بالأمم المتحدة والمنظمات متعددة الأطراف، ومع مرور الوقت، ومع التغيرات الجذرية التي طرأت على روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ظل فاسيلي محافظاً على توجهه المهني، مندمجاً مع سياسات الدولة الروسية الحديثة، وعاملاً على تعزيز حضورها في الساحة الدولية، ومن أبرز المحطات التي صنعت اسمه في الأوساط الدبلوماسية كانت مهمته في بعثة روسيا لدى الأمم المتحدة، إذ شغل مناصب عليا قبل أن يتم تعيينه في عام 2017 كمندوب دائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، خلفاً للسفير الشهير فيتالي تشوركين الذي وافته المنية بشكل مفاجئ أثناء خدمته في نيويورك.

 

ومنذ أن تولى نيبينزيا هذا المنصب، أصبح وجهاً مألوفاً في مجلس الأمن الدولي، معروفاً بلهجته الحازمة ودفاعه المستميت عن المواقف الروسية، حتى في أحلك الظروف وأشد الأزمات، كأزمة أوكرانيا وضم القرم، والحرب في سوريا، والعقوبات الغربية، فهو يمثل الصوت الرسمي لموسكو في أكثر المحافل حساسية، وغالباً ما يكون في الصفوف الأمامية عند مواجهة المندوبين الغربيين، خصوصاً ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ويشتهر بنبرته الواثقة، وأسلوبه في تفنيد الاتهامات، واستحضار التاريخ والسوابق القانونية لدعم المواقف الروسية، وغالباً ما يستخدم لغة قوية يراها البعض انعكاساً لنهج موسكو الحازم في الساحة الدولية، ويراها آخرون استمراراً لأسلوب المدرسة السوفيتية في الدبلوماسية.

 

لم تكن مهمة نيبينزيا سهلة، فقد تسلم منصبه في مرحلة اتسمت بتصاعد التوترات بين روسيا والغرب، وانهيار الثقة المتبادلة، وتصاعد وتيرة العقوبات والاتهامات، ومع ذلك استطاع أن يحافظ على حضور روسي قوي في مقر الأمم المتحدة، وأن يكون صوتاً دائماً يعكس رؤية الكرملين ويقدم خطاباً متماسكاً في وجه الانتقادات الدولية، ولعل ما يميزه أنه لا يكتفي بقراءة المواقف الرسمية، بل يبدو أحياناً أنه يضيف إليها نبرة شخصية، فيها مزيج من السخرية والدعابة السياسية في بعض الجلسات، وفي أحيان أخرى يظهر بوجه صارم يضع فيه خطوطاً حمراء لا يقبل تجاوزها من قبل ممثلي الدول الأخرى.

 

وقد تميزت سيرته الدبلوماسية الطويلة بقدرة لافتة على التعامل مع الضغوط، وحسن إدارة الأزمات الكلامية، حتى في اللحظات التي يواجه فيها موجة انتقادات حادة، كما حدث في جلسات عديدة تتعلق باستخدام الفيتو من قبل روسيا، أو مناقشة تقارير تتعلق بحقوق الإنسان أو بالتحقيقات في الهجمات الكيميائية في سوريا، ورغم اختلاف الآراء حوله، إلا أن أحداً لا ينكر أن فاسيلي نيبينزيا يمثل بامتياز وجه روسيا المتكلم في مجلس الأمن، وأنه بات من أكثر الدبلوماسيين بروزاً في العالم خلال السنوات الأخيرة.

 

بعيداً عن قاعات المجلس، يعرف عنه التزامه الكبير بدوره المهني، وابتعاده عن الأضواء الإعلامية خارج الأطر الرسمية، لا يُعرف الكثير عن حياته الشخصية، لكنه يوصف بأنه منضبط، دقيق، ومثقف، يجيد الإنجليزية بطلاقة، ويتقن استخدام لغة القانون الدولي في خطابه السياسي، كما أنه يراعي في كلماته دائماً الخط الفاصل بين السياسة والدبلوماسية، فلا يتجاوز حدوده لكنه لا يتراجع أيضاً عن موقفه، بل يستخدم مهاراته لعرض صورة روسيا كما تريد أن تظهرها في عالم يتغير باستمرار.

 

فاسيلي نيبينزيا ليس مجرد سفير أو دبلوماسي عابر، بل هو أحد رموز السياسة الخارجية الروسية في مرحلة مفصلية من التاريخ الحديث، رجل يقف على خط التماس في معارك الدبلوماسية المعاصرة، يمثل بلاده بكل ما تحمله من مصالح وتاريخ وصراعات وتطلعات، ويعيد من خلال موقعه رسم ملامح الدور الروسي في النظام العالمي، بكل ما في ذلك من تحديات وفرص وصدامات وصياغات جديدة للقوة والتأثير.