ما لم يفهمه المسلمون، ويستوعبوا معادلته؛ أن الفريضة الأولى والمركزية في الإسلام: هي التعلم والقراءة.
فقد كانت
أول آية نزلت على رسول الإسلام، اقرأ باسم ربك.. ولفظة اقرأ وردت بصيغة
الأمر، والأمر يدلّ على الوجوب عند علماء الفقه والأصول، وصحيح أنّ المخاطب هو
رسول الله، لكن عموما من ينتمي إلى هذا الدين ومن أرسل إليهم النبي محمد صلى الله
عليه وآله وسلم مشمول بالأمر الرباني الأول: إقرأ، حيث فرض التعلم
والقراءة قبل الصلاة والصيام والحج والزكاة، لأنه بالقراءة نبني الدنيا ونعمّر
الأخرة.
وتعتبر الثقافة
التنويرية الركن الركين في الحضارة الإنسانية والتراث البشري، وعلى الدوام كان
تقدم الأمم والشعوب يقاس بمدى إهتمامها بالثقافة التنويرية العقلية التي شكلّت
ماضيّا وستشكل حاضرا ومستقبلا أهم عامل من عوامل النهوض والوثبة الحضارية.
ولم
تتراكم الإخفاقات والانتكاسات في الواقع العربي إلا بعدما بات ملف التنوير مطويا،
وبعدما تمّ تجريد الثقافة من صلاحيتها في ترشيد مجالات الحياة المختلفة. ولا يمكن
بأي حال من الأحوال الحديث عن أي دور للأمم والأفراد بمنأى عن التنوير الذي به دون
غيره نلج الخارطة الكونية دون إلغاء خصائصنا ومميزاتنا.
والثقافة
التنويرية ليست مجرّد إمتاع ومؤانسة كما يتصوّر كثيرون، بل هي التي تعطي للشخصيّة
الإنسانية بعدًا عالميًا وتتيح إيجاد جسور تواصل بين بني الإنسان، والأكثر من ذلك
فهي التي تقرّب الفجوات بين البشر بمختلف توجهاتهم العقائديّة والمذهبية والدينية
وغيرها.
تعتبر
المعركة الراهنة في العالم العربي بين مشروع التنوير ومشروع التكفير من أخطر
المعارك التي عرفها المشهد العربي والإسلامي، والتي ستحددّ لمئات السنين مسار
الصيرورة في عالم عربي انفجرت ملفاته وتكالب عليه الأعداء من كل جانب.
وفي ماضي
الصراعات في خط طنجة – جاكرتا كان الأعداء من الداخل وتارة من الخارج، وفي هذه
اللحظة العربية الحرجة والخطيرة تحالف أعداء الداخل والخارج في معادلة كيميائية
تفجيرية قل نظيرها.
والظلامية
التي أسس لها الموروث الظلامي والعقل الصهيو-أمريكي أنتج أحكاما شرعية في الراهن
الإسلامي تستدعي الناتو، وتمجد التدخلات الغربية في بلادنا، بل وتجعل الكيان
الصهيوني بريئا ونزيها مقارنة بحكام عرب اعتبروا كفارا وزنادقة، وباتوا في دائرة
الاستهداف الفقهي والإسلامي.
ومن خلال
هذا المشروع انفرط الإجماع في العالم العربي والإسلامي، وتبددت قوة الأمة الجماعية،
ودب الخلاف والتكفير والزندقة والفتاوى الكوميدية والصراع السني الشيعي؛ ومعروف من
يحمل لواء التأجيج له وإذكاء أواره.
وما لم
يتحرك العقل العربي لوضع حد لهذا الاختراق الخطير لقلاعنا الفكرية والاستراتيجية
والحضارية، فسوف تستمر سلسلة الانهيارات الكبرى في العالم العربي والإسلامي.
