في مقابلة حصرية مع قناة "العربية"، تحدّث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من واشنطن عن الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة، قائلاً إن "ما يحدث من قتل وتجويع في غزة يتجاوز حدود الخيال"، مضيفًا أن "الغذاء يُستخدم كسلاح للعقاب الجماعي، وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه". وأوضح أن الرأي العام العالمي بدأ يشهد تحوّلاً ملحوظًا، مدفوعًا بالصور الصادمة التي تظهر الأطفال وهم يعانون من المجاعة، ما أحدث موجات غضب في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا.
وتطرق الوزير إلى المؤتمر الدولي
الذي انعقد في نيويورك برعاية فرنسية سعودية، معتبرًا إياه "خطوة مهمة في
توقيت حساس"، حيث قال إن المؤتمر "أعاد إحياء حل الدولتين وأطلق
ديناميكية جديدة هدفها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الوطني".
وأشاد بخطوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلاً: "إعلان ماكرون عن نيته
الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر هو موقف شجاع، ويعطي أملاً للفلسطينيين
الصامدين".
وشدد عبد العاطي على أن
"السلام في المنطقة لن يتحقق إلا بحل جوهر القضية الفلسطينية"، مضيفًا
أن "تطبيع إسرائيل لعلاقاتها مع دول عربية لن يكون بديلاً عن إنهاء
الاحتلال". واستشهد بموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قائلاً:
"الرئيس أكد مرارًا في القمم العربية أن أمن إسرائيل والمنطقة لا يمكن أن
يتحقق دون دولة فلسطينية مستقلة".
وفيما يخص مستقبل غزة، كشف الوزير
عن مبادرة مصرية تتضمن عدة مراحل، تبدأ بـ"وقف إطلاق النار فورًا، ثم تشكيل
لجنة إدارية من شخصيات مستقلة لتدير القطاع لمدة ستة أشهر"، موضحًا أن
"الهدف هو تمكين السلطة الفلسطينية الشرعية من بسط سيطرتها، بالتوازي مع
تدريب عناصر أمنية فلسطينية في مصر لضمان الاستقرار".
وتابع: "عقب التوصل إلى وقف
إطلاق النار، سنعقد مؤتمرًا دوليًا في القاهرة لإعادة إعمار غزة"، مشيرًا إلى
مشاركة واسعة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج، واليابان، والبنك
الدولي. وأوضح أن المؤتمر "سيضم ورش عمل متخصصة لبحث الملفات الإدارية
والمالية والأمنية".
ونفى عبد العاطي المزاعم حول
إغلاق معبر رفح من الجانب المصري، قائلًا: "المعبر يعمل 24 ساعة يوميًا، على
مدار الأسبوع"، مضيفًا أن "الجانب الإسرائيلي دمّر المعبر من جهة غزة،
ويستهدف كل من يتحرك عليه، وهذه هي الحقيقة التي يتجاهلها البعض عمدًا".
واعتبر أن "من يتحدثون عن إغلاق المعبر إما يجهلون الواقع أو يروّجون لمزاعم
خبيثة ضد الدور المصري".
وأكد الوزير أن مصر ستواصل دعمها
للفلسطينيين، موضحًا أن "70% من المساعدات التي دخلت غزة في الأشهر الأخيرة كانت
مصرية"، وقال: "نحن لا نفتخر بذلك أمام العالم، بل نعتبره واجبًا وطنيًا
وإنسانيًا، رغم كل الحملات المشبوهة التي تستهدف مصر".
وحول محاولات التهجير، عبّر عن
موقف حاسم، قائلاً: "الحديث عن تهجير الفلسطينيين أو توطينهم خارج أراضيهم خط
أحمر بالنسبة لمصر والأردن"، وأضاف: "بقاء الفلسطيني على أرضه هو الذي
أبقى قضيته حية، ولن نسمح بتصفيتها".
وعن المسار التفاوضي، أكد عبد
العاطي وجود تنسيق يومي مع الولايات المتحدة وقطر، قائلاً: "تم التفاهم على
بعض القضايا، مثل عودة آلية الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات، لكن لا تزال هناك
ملفات عالقة بحاجة إلى توافق"، مشيرًا إلى أن "العقبة الحقيقية الآن هي
غياب الإرادة السياسية لدى الطرف الإسرائيلي".
وحول العلاقات المصرية الأمريكية،
قال عبد العاطي إن "العلاقة بين القاهرة وواشنطن قوية واستراتيجية، وتشمل
ملفات سياسية وعسكرية واقتصادية"، مشيرًا إلى أن "العلاقة الوطيدة بين
الرئيس السيسي والرئيس ترامب ساعدت على تحقيق اختراقات، منها إطلاق سراح 33 رهينة
في غزة ضمن اتفاق 19 يناير، قبل أن تتراجع إسرائيل عن تنفيذه لأسباب داخلية".
وفيما يتعلق بملف سد النهضة، أعرب
عن أسف بلاده لتعنت الجانب الإثيوبي، وقال: "توصلنا إلى اتفاق شامل في عهد
ترامب، ووافق عليه الجميع بما فيهم إثيوبيا، لكنها تراجعت عن التوقيع لأسباب غير
مفهومة". وشدد على أن "مصر تحتفظ بحقها الكامل في الدفاع عن أمنها
المائي وفقًا للقانون الدولي".
واختتم الوزير حديثه بالملف الليبي، مؤكدًا أن "الجمود يسيطر على المشهد السياسي"، وأن "الحل يبدأ بخروج القوات الأجنبية وتفكيك الميليشيات"، داعيًا إلى "إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة تحت إشراف دولي". وأضاف أن "مصر تدعم الحل الليبي – الليبي، وتُطالب بفرض عقوبات على من يعرقل المسار الانتخابي".
