أرييل شارون: الجنرال الذي جعل من الدبابة سياسة - شبكة أقطار الإخبارية

تحديثات

Thursday, July 17, 2025

أرييل شارون: الجنرال الذي جعل من الدبابة سياسة

 

في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، هناك شخصيات تركت أثرًا عميقًا على مسار الأحداث وتغير موازين القوى، لكن قلة من القادة الإسرائيليين يمكن مقارنتهم من حيث التأثير والجدل بـأرييل شارون، ذلك الجنرال والسياسي الذي امتلك سجلًا حافلًا بالحروب والمجازر، والذي ترقى من ساحات المعارك إلى سدة الحكم، مستخدمًا عقيدته العسكرية لفرض واقع سياسي شديد الوطأة على الفلسطينيين.

 

النشأة والبدايات العسكرية

وُلد شارون في 26 فبراير 1928 في فلسطين الانتدابية، لعائلة يهودية من أصول بيلاروسية، كانت تعيش في مستوطنة "كفار ملال". منذ بدايته انخرط في العمل العسكري مبكرًا، حيث التحق بـ"الهاجاناه" – الميليشيا الصهيونية التي كانت نواة الجيش الإسرائيلي – وهو في سن المراهقة.

شارك في حرب 1948 ضمن القوات الصهيونية، وهناك أصيب بجروح بالغة، لكنه أثبت شجاعة ميدانية لافتة جعلت قادته يعتمدون عليه في المهمات الأكثر دموية.

برز اسمه لاحقًا بعد تأسيس وحدة "101"، التي كانت مكلفة بتنفيذ عمليات انتقامية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان من أبرز تلك العمليات مجزرة قبية عام 1953، التي أودت بحياة عشرات المدنيين الفلسطينيين – معظمهم من النساء والأطفال – عندما فجرت وحدته منازل القرية بالقنابل، وهي المجزرة التي وُصفت عربياً ودولياً بأنها عمل إرهابي.

 

الصعود السياسي على ظهر البندقية

في حروبه المتعددة – 1956، 1967، و1973 – تميز شارون بالجرأة والشراسة، لكنه كان دائمًا محاطًا بالجدل. في حرب أكتوبر 1973، قاد عملية العبور الشهيرة لقناة السويس، والتي اعتُبرت أحد التحولات الحاسمة في مجريات الحرب، ورفعت مكانته داخل الجيش الإسرائيلي ليصبح لاحقًا أحد رموزه الأبرز.

ومع انتقاله إلى الحياة السياسية، التحق بحزب الليكود، وأصبح في أواخر السبعينيات وزيرًا للزراعة، حيث دأب على دعم الاستيطان بقوة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما أكسبه دعمًا من اليمين الإسرائيلي المتطرف.

 

مجزرة صبرا وشاتيلا: جريمة لا تُنسى

في عام 1981 تولى وزارة الدفاع، وفي العام التالي قاد الاجتياح الإسرائيلي للبنان بحجة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. لكن هذا الاجتياح بلغ ذروته الدموية في مجزرة صبرا وشاتيلا (سبتمبر 1982)، التي نفذتها ميليشيات الكتائب اللبنانية ومليشيا جيش لبنان الجنوبي بدعم لوجستي وغطاء من الجيش الإسرائيلي, وارتكبت مجازر بشعة, في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت الغربية, راح ضحيتها ما بين 800 إلى 2000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.

 

رئيس الوزراء الذي غيّر قواعد اللعبة

في عام 2001، عاد شارون إلى الواجهة بقوة، وفاز برئاسة الحكومة الإسرائيلية في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية. جاء فوزه على خلفية الوضع الأمني المتدهور، خاصة بعد زيارته الاستفزازية للحرم القدسي في سبتمبر 2000، والتي كانت شرارة تفجّر الانتفاضة.

خلال حكمه، اعتمد سياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، وشن عمليات عسكرية واسعة في الضفة وغزة، من أبرزها "السور الواقي" عام 2002، التي اجتاحت فيها قوات الاحتلال كافة المدن الفلسطينية الكبرى، وأعادت احتلال الضفة عمليًا.

فرض حصارًا خانقًا على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات داخل مقره في رام الله، حتى وفاته، وكان من أوائل من سعوا إلى تحييد قيادة منظمة التحرير لصالح صعود قيادة جديدة برئاسة محمود عباس.

 

الانسحاب من غزة: تكتيك لا سلام

في عام 2005، فاجأ أرييل شارون الجميع بإعلانه الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، حيث تم إخلاء 21 مستوطنة إسرائيلية، وأعيد نشر الجيش خارج حدود القطاع. في الظاهر، بدا القرار وكأنه بادرة سلام، لكن في الحقيقة، كان انسحابًا تكتيكيًا هدفه التخلص من العبء الديموغرافي والعسكري لغزة، مقابل تعزيز السيطرة على الضفة الغربية والقدس.

الانسحاب فجر خلافات كبيرة داخل حزب الليكود، فقام شارون بالانشقاق وتأسيس حزب "كاديما"، الذي تبنّى رؤى أمنية مع مسحة سياسية حول "ترسيم حدود إسرائيل من طرف واحد".

 

نهاية مفاجئة وغيبوبة سياسية

في يناير 2006، وقبل أسابيع من الانتخابات العامة، أُصيب شارون بجلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة طويلة استمرت حتى وفاته في 11 يناير 2014. لم يشهد نتائج قراراته، لكنه ترك خلفه إرثًا عسكريًا وسياسيًا لا يزال تأثيره قائمًا حتى اليوم.

 

في الوعي العربي: شارون كرمز للقمع والعدوان

لم تُمحَ صورة أرييل شارون من الذاكرة العربية، بل ترسخت كواحد من "رموز العنف الإسرائيلي". يُنظر إليه كمهندس للمجازر، وقائد للحصار، وعقلية عسكرية ترفض أي تسوية تقوم على مبدأ العدالة للفلسطينيين.

ورغم الانسحاب من غزة، إلا أن بصماته واضحة في بناء الجدار العازل، وتوسيع الاستيطان في الضفة، وتكريس الانقسام الفلسطيني، وهو ما جعل كثيرين يرونه كأحد أسباب الوضع الكارثي القائم اليوم.

 

خاتمة: شارون بين الحرب والسياسة

أرييل شارون لم يكن رجل سياسة تقليدي، بل جنرالًا أدخل منطق الدبابة إلى قلب المؤسسة المدنية. جسّد نموذجًا خاصًا من القيادة الإسرائيلية التي ترى أن الأمن يتحقق بالقوة، لا بالتفاوض، وأن فرض الأمر الواقع أهم من أي شرعية دولية.