عندما
يتطرق النقاش في العالم العربي إلى شخصية بنيامين نتنياهو، تتداخل معه
مشاعر الغضب والاستياء، ليس فقط بسبب مواقفه السياسية وإنما أيضًا بسبب أدواره في
تعميق الأزمة الفلسطينية وتفاقم الصراع الإسرائيلي-العربي. رجل السياسة الإسرائيلي
الأكثر بقاءً في منصب رئاسة الوزراء، الذي شكّل صورة اليمين المتطرف المتصلب،
والذي استطاع أن يتحكم بمفاصل القرار في دولة الاحتلال لسنوات طويلة.
البداية:
خلفية عائلية عميقة وجذور فكرية متشددة
وُلد
نتنياهو في 21 أكتوبر 1949 في تل أبيب، في أسرة يهودية ذات توجهات صهيونية متشددة،
فكان والده "بن صهيون نتنياهو" مؤرخًا قوميًا له تأثير فكري واضح على
تكوينه. نشأ في بيئة صهيونية متطرفة، قضى جزءًا من شبابه في الولايات المتحدة، حيث
تلقى تعليمه، وهو ما ساعده لاحقًا في صقل مهاراته الدبلوماسية وقدرته على التواصل
مع الغرب.
خدم في
وحدة النخبة "سييرت متكال" في الجيش الإسرائيلي، وشارك في عمليات عسكرية
خطيرة، ما رسّخ في ذهنه أهمية القوة الأمنية على الحلول السياسية.
وفقد
شقيقه "يوناتان نتنياهو" حياته في عملية "عينتيبي" عام 1976،
وهو الحدث الذي شكل نقطة مفصلية في حياته.
الصعود
السياسي المبكر: من الدبلوماسية إلى السياسة الحزبية
خلال
ثمانينيات القرن العشرين، برز نتنياهو كسفير لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، حيث بنى
صورته كمتحدث قوي ومتمكن، يروّج للمظلومية اليهودية ويدافع عن سياسات الاحتلال في
المحافل الدولية.
انضم
لحزب "الليكود" وبرز كصوت يميني شديد التشدد، مع تبني سياسات اقتصادية
ليبرالية في الداخل، لكنه ظل متشددًا على الصعيد الأمني والسياسي.
الولاية
الأولى (1996–1999): بداية الحصاد السياسي في ظل أجواء مشحونة
في عام
1996، وبموجب انتخابات حاسمة بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، فاز نتنياهو
برئاسة الحكومة، مستفيدًا من مخاوف الأمن التي اجتاحت المجتمع الإسرائيلي. في تلك
الفترة، رغم ما بدا من التزام شكلي باتفاقيات أوسلو للسلام، عمل على تقويضها
عمليًا، وتعزيز الاستيطان، وتكريس الهيمنة الإسرائيلية على القدس.
شهدت
تلك السنوات توترًا متصاعدًا مع الفلسطينيين، وزيادة الانقسام بين الطرفين، مع
تصاعد أعمال العنف والتفجيرات، مما أدى إلى تصعيد الأزمة.
التوقف
القصير (1999–2009): فترة انقطاع وتسليم السلطة لإيهود باراك وأولمرت
انتهت
ولاية نتنياهو الأولى في عام 1999 بعد خسارته الانتخابات لصالح إيهود باراك،
الذي تولى منصب رئيس الوزراء من 1999 حتى 2001. خلال حكم باراك، حاول الأخير دفع
عملية السلام قدماً، وشارك في مفاوضات مكثفة مع الفلسطينيين، رغم استمرار الأزمة
الأمنية وتصاعد موجات العنف.
لاحقًا،
تولى أرييل شارون رئاسة الوزراء (2001–2006)، وتبنى سياسات أكثر تشددًا،
لكنه أقدم على الانسحاب الأحادي من غزة في 2005.
ثم تلاه
إيهود أولمرت (2006–2009) في فترة شهدت تصعيدًا عسكريًا في قطاع غزة، مع استمرار الجمود
السياسي.
خلال
هذه الفترة، لم يكن نتنياهو رئيسًا للوزراء، بل كان زعيم المعارضة، يعد العدة
للعودة إلى السلطة بقوة.
العودة
الطويلة (2009–حتى اليوم): السيطرة المطلقة وتعزيز سياسة الاحتلال
عاد
نتنياهو إلى رئاسة الوزراء عام 2009، ومنذ ذلك الحين وأصبح أطول من شغل المنصب في
تاريخ إسرائيل، مع بعض الفترات القصيرة من التوقف، لكنه ظل شخصية محورية في المشهد
السياسي الإسرائيلي.
تميزت
فترة حكمه هذه بعدة سمات بارزة:
توسع
الاستيطان: دفع
نتنياهو بعجلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة، مما قلّص فرص
قيام دولة فلسطينية مستقبلًا.
قتل
حل الدولتين: على
الرغم من التصريحات المتكررة التي توحي بدعمه لحل الدولتين، إلا أن سياساته
العملية كانت تعمل على عكس ذلك، مما أدى إلى اعتباره المسؤول الأول عن تجميد فرص
السلام.
اتفاقيات
التطبيع: أبرم
اتفاقيات تطبيع مع عدد من الدول العربية مثل الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب،
والتي اعتبرها بعض المحللين محاولة لإعادة صياغة التحالفات الإقليمية على حساب
الحقوق الفلسطينية.
تشريع
قوانين عنصرية: ساهم
في تمرير قانون القومية الذي يكرس طابع إسرائيل كدولة للشعب اليهودي فقط، مع تجاهل
الحقوق المدنية للعرب داخل إسرائيل.
التحريض
الداخلي والخارجي: استخدم
خطابًا إعلاميًا وأمنيًا لتحريض الرأي العام الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وضد
فلسطينيي الداخل، مما عمّق الانقسام والصراعات المجتمعية.
رجل
السياسة الذي لا يسقط
رغم
تعرض نتنياهو لعدة قضايا فساد وتحقيقات، واستمرار المظاهرات ضده، إلا أنه استطاع
الحفاظ على نفوذه، وإعادة بناء تحالفاته مع الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة،
مستفيدًا من حالة الانقسام في اليسار الإسرائيلي والخوف الأمني لدى الناخبين.
هو
سياسي براغماتي بارع، لا يتردد في التحالف مع خصوم الأمس، ما دام ذلك يضمن له
البقاء في السلطة.
الوعي
العربي تجاه نتنياهو
يُنظر
إلى نتنياهو في العالم العربي كرمز لتصلب الموقف الإسرائيلي تجاه القضية
الفلسطينية، وكممثل لمرحلة سياسية انتهت فيها فرص السلام الحقيقية، وبدا فيها
الاحتلال أكثر عنفًا واستيطانًا.
هو وجه
جديد للعقيدة السياسية الإسرائيلية التي ترى أن الأمن لا يتحقق إلا بالقوة والعنف،
وليس بالتفاوض والتسوية.
إن
مسيرة بنيامين نتنياهو تعكس واقعًا معقدًا، حيث تتشابك القوة الأمنية مع الانغلاق
السياسي والتطرف. بينه وبين مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون مسافة زمنية كبيرة، لكن
جوهر المشروع الإسرائيلي لم يتغير: دولة تقوم على التفوق العسكري، والدعم الدولي،
وإنكار حقوق الفلسطينيين.
ستظل شخصية نتنياهومن أكثر الشخصيات عداءً للقضية الفلسطينية، ورمزًا لفترة اشتدت فيها سياسات القمع والاستيطان والتهويد.
